قصص

قصر الزنانيري

قصر الزنانيري ١
– هنعمل ايه دلوقتي يا إبراهيم؟.. العربية شكلها مش هتدور.
– مش عارف يا حسام.. بس لازم ننزل نشوف أي صرفة مش هينفع نستنى هنا كتير، الحتة مقطوعة زي ما انت شايف.
– انا بقول كده برضه، الهدوء اللي في المكان ده مايطمنش.
نزلت انا وحسام من العربية عشان نشوف أي حد يقدر يساعدنا، المكان كان ضلمة جدًا وهادي جدًا جدًا، مشينا بهدوء وحذر واحنا بندور على أي محل فاتح أو أي بني ادم يدلنا على ميكانيكي قريب، مشينا حوالي عشر دقايق لكن ماكنش فيه أي حد للأسف، وفجأة حسام خبطني فى كتفي، بصيت ناحيته لاقيته بيشاور على مبنى صغير وهو بيقول…
– شايف يا إبراهيم، شايف في لمبة منورة اهي.. الظاهر كده في حد هناك.
– اه صح، تعالى نروح ونشوف يمكن نلاقي حد يدلنا.
– تعالى، بس بقولك ايه انا مش مطمن.
– ماتخافش ياعم يلا خلينا نخلص من الورطة دي.
حسام كان ماشي وهو خايف وماقدرش أنكر إني كنت خايف انا كمان بس كنت بحاول اتماسك شوية، أول ما وصلنا ناحية اللمبة اللي كانت منورة لاقينا المبنى عبارة عن كشك خشب صغير بابه مقفول وقدامه كنبة صغيرة من الخشب لفردين، وقفت انا وحسام نبص على اللمبة اللي كانت متعلقة في سقف الكشك وبعدها حسام همس لي…
– تقريبًا كده مافيش حد هنا.
– استنى بس يا حسام.
– انا مش مطمن وقلبي مقبوض يلا بينا نمشي.
– يابني اصبر وبعدين انت خايف ليه؟.. ده كشك زي أي كشك.
– زي أي كشك ايه بس!.. انت مش شايف شكله عامل ازاي؟.. ده قديم جدًا وزي مايكون ماتفتحش بقاله عشر سنين.
– اصبر بس.. ماتستعجلش.
صقفت بايدي وانا بنده…
– يا أهل الله ياللي هنا.. يا جماعة.. في حد هنا.
ماحدش رد، كررت نفس الحركة تاني وتالت، بس برضه ماحدش رد وحسام زي مايكون ماصدق وقالي بسرعة…
– شوفت مش قولتلك، مستحيل يكون في حد عايش هنا.. يلا بينا بقى.
– الظاهر كده عندك حق.
لفينا وشنا عشان نرجع ناحية العربية بس فجأة سمعنا صوت باب بيزيق، وقفت انا وحسام في مكاننا وبعدها سمعنا صوت حد بيقول…
– مين بينده؟
حسام مسك ايدي في رعب وساعتها حسيت ببرودة اطرافه، حاولت اطمنه لما لفيت وشي عشان اشوف مين، بس الحقيقة المنظر اللي شوفته رعبني أكتر من الصوت، راجل ضخم لابس جلابية عليها جاكيت من أيام الإنجليز، وماسك في ايده كلوب منور، شنبه كان مغطي نص وشه تقريبًا ومع إنعكاس نور الكلوب على وشه منظره بقى بشع، ولاحظت حزام الطبنجة فوق كتفه، فضِلت باصص ناحية الراجل ومتنح لثواني لحد ما فوقت على صوته من تاني…
– انتوا مين؟.. وعايزين ايه؟
– احنا.. احنا.. احنا عربيتنا عطلت قريب من الكشك هنا، وكنا محتاجين حد يصلحها.
– وهو في حد فاتح الساعة دي!.. كده هتضطروا تستنوا للصبح.
– ايوة بس احنا مستعجلين ولازم نلحقق مشوارنا.
– خلاص سيبوا العربية وارجعوا مشي.
اتكلم حسام ساعتها وقال بارتباك…
– نرجع مشي فين!.. انت عارف بينا وبين الطريق قد ايه؟
– عارف.. بس انتوا ايه اللي جابكوا هنا؟
رديت عليه انا…
– احنا كنا ماشيين في طريقنا لحد ما الجي بي اس دخلنا هنا بالغلط.
– ايه الجي بس إس ده؟
– نعم!.. انت مش عارف الجي بي إس!
– لا، ده إختراع جديد؟
ضحك حسام عليه وقال بسخرية…
– اه اختراع جديد.. بس لسه تحت التجربة.
خبطت حسام في كتفه وانا بهمسله…
– استنى يا حسام الله يباركلك، انت مش شايف ولا ايه حد يهزر مع واحد زي ده؟.. ده لو كشر يبلعنا.
– عندك حق.. بس الإفيه حكم.
رفعت راسي ناحية الراجل بس.. بس ماكنش موجود، ساعتها حسام سألني بعصبية…
– هو راح فين؟
– مش.. مش عارف.. عاجبك كده؟.. شكله زعل وسابنا ودخل.
– دخل فين؟.. الباب لسه مفتوح.
– ايه ده!.. صح ده الباب لسه مفتوح.. طب ما تيجي ندخل نشوفه.
– ندخل فين ياعم ابراهيم؟.. صلي على النبي كده وروق.
– تعالى بس وماتخافش انا معاك.
– ياعم لا.. انا مش هتحرك من هنا غير على العربية.
– طب خلاص خليك انت وانا هروح اشوفه في الكشك واجي.. ماهو انا ماصدقت الاقي حد هنا نسأله.. الله يسامحك لو ماكنتش استظرفت على الراجل كان زمانه قايلنا نعمل ايه.
– طب روح انت وانا هستناك هنا.
– ماشي بس اوعى تتحرك من مكانك.. مافيش شبكة في التليفون زي ما انت عارف.. يعني مش هعرف اوصلك.
– ماشي ماشي.. بس ما تتأخرش.
– حاضر.
مشيت ناحية الكشك بهدوء وقلق، واول ما وصلت قدامه زقيت الباب، عمل صوت تزييق فظيع لحد ما اتفتح على أخره تقريبًا، الدنيا كانت ضلمة جدًا، رغم اللمبة اللي والعة في سقف المدخل عند الباب، وعشان كده ولعت كشاف الموبايل، وخدت خطوتين جوة الكشك، حركت ايدي بالكشاف في محاولة مني لإستكشاف المكان وساعتها ظهر قدامي عِرق خشب واقف بشكل عمودي ومدقوق في طرفه عِرق خشب بالعرض وبيقطعهم عِرق تالت عشان يشكل زاوية حادة، العروق كانت متغطية بخيوط العنكبوت، بصيت الناحية التانية لاقيت نفس المنظر بالظبط وفي النص سلمتين من الخشب برضه، ماكنتش مستوعب ازاي كشك بالحجم الصغير اللي شوفته بره، ممكن يكون جواه البراح ده كله؟.. قربت من السلمتين وطلعت عليهم وساعتها لاقيت نفسي واقف على سطح مستوي من الخشب، الخشب اللي كان بيزيق تحت رجلي، حركت ايدي تاني بالكشاف عشان استكشف المكان، وساعتها شوفت قدامي سرير صغير لازق في الحيطة وفوقيه بورتريه قديم بس كان بالألوان، الصورة كانت لمبنى في وسط أرض خضرا، ده الجزء اللي كان ظاهر من البورتريه، اما باقي الصورة فكان التراب وخيوط العنكبوت مغطينها، على الجنب اليمين كان في كرسي كبير محطوط وواضح إن قاعدة الكرسي متقطعة وده باين من القش اللي كان خارج منها، اما على الشمال فكان في ترابيزة صغيرة عليها جرامافون التراب طمس لونه الدهبي وقلبه نحاسي، اتحركت ناحية الجرامافون ونزلت الإبرة، وزي ماتوقعت ماشتغلش، روحت ناحية الكرسي وكان شكله غريب قعدت بفضول، بس اتنفض فجأة لما الجرامفون اشتغل على اغنية…
كنت يا قصر مسرح الأنس والحب ومغدى المنى ومجلى النور.
فـ سرت فيك وحشه مثلما خيم حزني على فؤادي الكبير.
نحن سيان لي التعاسة يا قصر كلانا أشقاه ظلم الدهور.
غاب عنِّي وعنك وجه حبيبٍ صنتُه في فؤاديَ المهجورِ.
في اللحظة دي لاقيت ايد بتتحط على كتفي وصوت بيقول…
– ايه اللي دخلك هنا؟
التليفون وقع من ايدي، وقومت بسرعة من مكاني بس ساعتها اتكعبلت وبعدها.. بعدها ماعرفش ايه اللي حصل، لكن النور نور في المكان، قومت من على الأرض، لاحظت إن الأوضة بقت نضيفة جدًا، والخشب تحت رجلي كإنه جديد، حتى السرير والكرسي اللي جنبه كانوا لسه جُداد وشكلهم نضيف، اتلفت حواليا في المكان بسرعة بس ماكنش في حد، وده قبل ما اسمع صوت الباب بيتفتح وبيدخل منه راجل أبيض وشكله مهندم، شعره بني وعينيه خضرا، كان لابس جوانتي في ايده، فتح الباب وبص لي باستغراب لثواني وبعدين مشي ناحيتي، رجعت لورا ببطء، لكنه ماهتمش بيا وراح ناحية الترابيزة وهو بيقلع فردة الجوانتي اللي في ايده اليمين، وسألني من غير ما يبصلي وهو بيحط الجوانتي على الترابيزة…
– جيت إمتى؟
اتصدمت من سؤاله!.. هو ايه اللي جيت إمتى؟.. هو يعرفني؟.. انا متأكد إني أول مرة أشوفه، لف وشه وسند ضهره على الترابيزة وهو بيبص لي…
– مش عايز تقول.. خلاص براحتك، انا كنت عارف إنك كده كده راجع.. أصل هتروح فين؟.. ده بيتك وهنا مكانك.
ماكنتش بنطق، فقدت النطق لدقايق من الكلام الغريب اللي عمال يقوله الراجل ده، بص لي المرة دي بصة مليانة حنية وهو بيقرب مني، حاول يلمسني لكني بعدت عنه بسرعة، فقالي بتأثر…
– مراد.. انا أخوك الوحيد، وصدقني ماحدش عايز مصلحتك قدي.. اللي انت بتعمله ده خطر عليك وعليا.
– مراد مين؟
انت مراد، انت كمان مش فاكر انت مين!
– انا مش مراد اللي انت بتقول عليه ده.. انا اسمي ابراهيم.. وماعرفش ايه اللي جابني هنا ولا اعرف انت مين؟
ضحك بصوت عالي وهو بيقول…
– طب ما انا عارف.
رفعت حواجبي وبصيت له باستغراب…
– ولما انت عارف بتنتدهلي بالاسم ده ليه؟
– عشان دي هتبقى حقيقتك لو مانفذتش المطلوب منك.
– انفذ ايه؟.. انت عايز مني ايه بالظبط؟
– عايزك ترجعلي مراد.. اخويا.
– ارجعهولك منين؟.. وازاي؟
– من القصر.
– طب ما ترجعه انت.
– ياريت ينفع.. بس للأسف انا ممنوع عليا الدخول.
– ياعم انا مالي بحكايتك انت واخوك.
برق بعينيه وبعدين اتنهد في وشي…
– انا مش هحاسبك على كلامك ده دلوقتي لكن صدقني لو رجعت من غيره هتشوف الجحيم بعينيك.
اترعبت من كلامه والطريقة اللي بيتكلم بها، وعشان كده سألته بحذر…
– طب انا.. انا المفروض اعمل ايه؟
– هتروح القصر وتعرف اللي حصل جواه، بس خلي بالك لو حد فيهم شافك هتكون نهايتك.. ولو خرجت قبل ما تعرف الحكاية كاملة هتعيش اللي باقي من حياتك هنا.
– قصر ايه ومين اللي ممكن يشوفني؟
هز راسه وسابني ومشي ناحية الباب وقال وهو خارج…
– هتعرف كل حاجة لوحدك.
وقفت مكاني وانا مندهش من طريقته، بس فوقت بعد ثواني وخرجت وراه، فتحت الباب لكن اول ما خرجت بره مالقيتوش، ماكنش في غير أرض مزروعة خُضرة يمين وشمال وعلى مرمي البصر مبنى مكون من دورين.. ده أكيد القصر اللي بيقول عليه، وقفت مكاني وانا مش عارف أعمل ايه؟.. اتحركت ناحية المبنى بس المسافة كانت أبعد بكتير مما توقعت، واضح كده إن نظري خدعني، المهم وصلت بعد مشي كتير، وساعتها شوفت بوابة بتفصل بيني وبين القصر، وقفت قدامها وبصيت من بين الحديد، شوفت ممر ممهد بيوصل من البوابة للمبنى وعلى شمال الممر جنينة كبيرة، اما على اليمين فكان في عربيتين واقفين لونهم أسود وكل عربية فيهم مربوط فيها من قدام حصان، سألت نفسي وقتها.. هو لسه في حد بيستخدم العربيات دي؟.. بس قبل ما أجاوب سمعت صوت كلب بينبح وجاي جري على البوابة، بصيت عليه لاقيت وراه فردين لابسين بدل شكلها غريب، واحد منهم جري وراه بسرعة والتاني كان ماشي ببطء، الكلب وقف قدامي وهو بينبح بشدة وعشان كده رجعت خطوتين لورا، كان الراجل الأولاني وصل للبوابة ومسك الكلب وسأله وهو بيضحك…
– بتنبح ليه يا ميلو؟
الكلب كان بيبص عليا وعينيه كلها شر، اما صاحبه فرفع راسه ناحيتي، وساعتها افتكرت تحذير الراجل في الكشك ان لو حد شافني هموت، واتأكدت وقتها إني ميت، بص لي لثواني وبعدين مسح على راس الكلب ورقبته وهو بيقول…
– مافيش حد يا ميلو.. تعالى.
قام وقف وشد الحبل اللي كان في رقبة الكلب، اتنهد وانا بحمد ربنا انه ماشفنيش، في نفس اللحظة كان وصل الراجل التاني اللي سأله باستغراب…
– بينبح ليه؟
– مش عارف بس مافيش حد واقف قدام القصر.
اتنهد التاني وقال…
– كلب غريب.. على طول بيجري ومش بيطلع في حاجة.
– ماتقساش عليه يا توفيق.. جايز هو شايف حاجة إحنا مش شايفينها.
ضحك اللي اسمه توفيق بقهقهة…
– قصدك عفاريت يعني.. والله انت جميل يا حليم انت والكلب بتاعك.. يلا يا راجل بلاش لعب عيال.
مشيوا الاتنين ورجعوا الجنينة من تاني، وفجأة سمعت صوت…
– بسس بسس.
بصيت ناحية مصدر الصوت لاقيت بنت طويلة وشكلها وحش جدًا، واقفة جنب البوابة من بره وبتشاورلي، قربت منها بهدوء وساعتها همست لي…
– تعالى ورايا عشان الكلب مايشوفناش.
انتِ مين وأجي وراكي فين؟
– تعالى وانا هقولك.
مِشِيت من جنب السور وانا فضِلت واقف مكاني ببص عليها في ذهول، لحد ما لفَت وشها وشاورتلي…
– يلا بسرعة.
بصيت حواليا وانا مش فاهم هي موطية صوتها ليه؟.. إذا كان ماحدش يقدر يشوفها غيرنا انا والكلب حتى الناس التانية ماقدروش يشوفوني، حسيت بالفضول ناحيتها وعشان كده اتحركت وراها زي ماهي قالت، مِشِيت لأخر السور وبعدها لفت وقالت لي…
– بهدوء عشان ماحدش يحس بينا.
– هو في حد ممكن يشوفك غيري؟
– ايوة طبعًأ، وطي صوتك.
رديت عليها بهمس…
– حاضر.. بس انتِ وخداني على فين؟
– مش انت عايز تعرف اللي حصل؟
رفعت حواجبي وانا برجع لورا…
انتِ عرفتي منين؟!
– مش مهم، المهم ان انا اللي هقولك على اللي حصل.
كنت سامع ساعتها صوت راجلين بيضحكوا ولما مديت رقبتي من جنب السور شوفت الراجلين واقفين قصاد بعض وواحد منهم وشه ناحيتي، رجعت بسرعة لورا وسألتها…
– مين دول؟
– دول حراس القصر.. الباشا معينهم عشان بنته ماتخرجش.
– وهو حابس بنته ليه؟
– عشان ماتهربش.
– تهرب ليه؟
في اللحظة دي شدتني من الجاكيت اللي كنت لابسه ولزقتني في السور، حطت ايدها على بوقي وقالت بعدها بنفس الهمس…
– خلي بالك عشان لو شافوك هيموتوك.
مدت رقبتها وبصت من ورا السور وبعدين من غير ماتبص شاورت بايديها عشان امشي وراها، وفجأة جريت بسرعة ونطت ورا كومة قش موجودة قدامنا، عملت زيها بالظبط ونزِلت بجسمي جنبها، رفعت راسها من ورا القش وقالت…
– اول ما الاتنين دول يدخلوا ورا الإسطبل امشي ورايا على طول.
– حاضر.
اول ما الاتنين دخلوا ورا الإسطبل لاقيتها جريت ودخلت من باب الاسطبل، جريت وراها وبعد ما دخلنا قفلت الباب ورايا، لما لفيت وشي ناحيتها لاقيتها ماشية في الممر بين البوكسات، وفجأة سمعت صوت همس في وداني، كلام مش مفهوم، الصوت كان بيعلى مع كل خطوة كانت بتمشيها في الممر، حسيت دماغي هتنفجر من الصوت، البنت لفت وشها وبصت لي ومن غير ولا كلمة قعدت على الأرض وبدأت تحفر في وسط القش، الصوت بيعلى أكتر وأكتر، وفجأة طلعت فستان غرقان دم، بصت للفستان بحزن وهي بتضمه لصدرها، وبعدها انهارت في البكا، الصوت اللي في دماغي اختفى، مشيت ناحيتها وانا حاسس دماغي بتلف بيا، لحد ما وصلت قدام الحفرة وأول ما بصيت فيها، رجعت لورا من المنظر اللي شوفته، منظر بشع، الحفرة كان فيها هيكل عضمي لبنت نايمة على بطنها وايديها متكتفه ورا ضهرها، حتى الحبل كان لسه مربوط على معصمها، بصيت على البنت لاقيتها بتشم الفستان والدموع مغرقة وشها، بعد كده رفعت راسها ناحيتي وقالت بصوت ماليان حزن…
– قتلوها الكلاب.
ماكنتش عارف أرد عليها بايه، لكن لاقتني بسألها…
– هي مين دي وقتلوها ليه؟
– دي.. دي أشرقت، بنت الباشا.
انتِ مش قولتي انها محبوسة!
– ده كان قبل ما يخلصوا منها.. هي وحبيبها.
– حبيبها مين؟
– مراد.
– مراد مات؟
– مش متأكدة، بس زمانهم خلصوا منه.
– طب وهم ليه قتلوهم؟
– دي قصة طويلة جدًا، بس خليني احكيهالك، عبد التواب كان بيتشغل عند الزنانيري باشا زمان بيزرع الأرض اللي حوالين القصر، وفجأة مات وساب وراه مراد وفريد، صعبوا على الباشا دخلهم القصر وطلب من مغاوري وسميحة الخدم بتوعه انهم يربوهم مع عيالهم، مرت الأيام والعيال كبرت وعودها شد، وقتها قرر الباشا يشغلهم مكان أبوهم ومسكهم الأرض، وبنالهم بيت صغير في وسطها عشان يكون سكن لهم، كل ده وماكنش يعرف إن في القصر بتاعه في نار قادت جنب البنزين، مراد حب أشرقت، لكن العين ماتعلاش عن الحاجب، وعشان كده دفن حبها جواه، لحد ما في يوم اتفاجئ بأشرقت بتعلن له هي كمان عن حبها، ماكنش مصدق نفسه، أشرقت هانم بنت الزنانيري باشا، بتحب مراد ابن عبد التواب الفلاح البسيط، في الأول رفض حبها، بس بعد إلحاح شديد منها استسلم لرغبتها، ومع الوقت بدأ يصدق الحلم، لحد ما حصل في النهاية الشئ المتوقع.
قاطعتها وانا بقول بلهفة…
– الزنانيري باشا عرف، صح؟
– ياريت، الزنانيري لو عرف ماكنش حصل ده كله، لكن اللي عرف هو توفيق أخوها، وده بقى شيطان في هيئة إنسان.
– طب وتوفيق عمل ايه؟
– في الأول طلب من مراد إنه يبعد عن أشرقت وهدده بالقتل، لكن أخته كانت عنيدة وماهتمتش بتهديده ولا بخوف مراد من توفيق، وأصرت علاقتهم تستمر.
– بالبساطة دي؟
– لا طبعًا كان في مقابل.
– ايه هو؟
– في يوم كانت أشرقت قاعدة في أوضتها لما لقت عدلات داخلة عليها…
– خير يا عدلات في حاجة؟
– بصراحة ياهانم عايزة اقولك على حاجة كده.
– اتكلمي في ايه؟
في اليوم ده انا كنت مع الهانم في أوضتها، وعشان كده عدلات بصت لي وقالت…
– ممكن نتكلم على إنفراد؟
بصت لي الهانم وقالتلي…
– اطلعي يا عهد بره لحد ما اشوف عدلات عايزة ايه؟
– أمرك يا هانم.
خرجت بره بس الفضول خلاني أقف ورا الباب واتصنت على اللي بيتقال، وساعتها سمعت اللي عمري ما أتخيله…
– وادي عهد خرجت، قولي يا عدلات في ايه؟
قالت عدلات بصوت مخلوط بالدموع…
– انا في عرضك ياست هانم، استري عليا الله يستر عليكِ.
– في ايه انطقي؟
– انا.. انا حامل.
– ايه!.. حامل!.. ازاي ومن مين؟
– من.. من سي توفيق.
– توفيق!.. انتِ بتقولي ايه يا عدلات؟
– هي دي الحقيقة يا هانم، ياما قولتله يسيبني في حالي ويبعد عني لكن برضه مافيش فايدة.
– يعني توفيق هو اللي عمل معاكِ كده؟
– اه والله يا هانم، ودلوقتي بيهددني لو ماسيبتش القصر ومشيت هيقتلني.
– يقتلك!.. ليه احنا عايشين فين؟
– انا مش عارفة اعمل ايه؟.. ولا اتصرف ازاي؟.. عشان كده لجأتلك يا هانم، لاني عارفة لو روحت للباشا الكبير مش بعيد هو اللي يقتلني.
– ماتقلقيش يا عدلات انا هحللك الموضوع ده.. اهم حاجة ماحدش غيرنا يعرف.
– اكيد طبعًا يا هانم، انا مش هقدر أجيب سيرة لحد، ده لو عم مغاوري عرف هروح في داهية.. لانه هيقول لابويا وساعتها هتقتل برضه.
– ماتخافيش ماحدش هيجي جنبك وتوفيق لازم يصلح اللي عمله.. روحي انتِ دلوقتي.
– ربنا يكرمك يا هانم.. ومايوقعك في ضيقة أبدًا.
خرجت عدلات بعدها وانا دخلت الأوضة من تاني، وساعتها شوفت الهانم وهي سرحانة، ماكنتش بتفكر في حل مشكلة عدلات، لا، كل اللي كانت بتفكر فيه وقتها.. ازاي تستغل الفرصة دي وتضغط على توفيق؟.. ماهي خلاص الرووس اتساوت، هي بتحب ابن الفلاح وهو غلط مع الخدامة، وعشان كده لاقيتها بتبتسم ابتسامة عريضة وبتقول بصوت مسموع…
– شكرًا يا توفيق.
– بتقولي حاجة يا هانم.
– هاه، انتِ دخلتي امتى؟
– من ساعة ما عدلات خرجت من عندك يا هانم.
– طب روحي انتِ دلوقتي انا عايزة اقعد لوحدي شوية.
خرجت من الأوضة وانا عارفة هي ناوية على ايه، وحصل اللي انا فكرت فيه.
– وهو ايه بقى اللي حصل؟
– أشرقت راحت لتوفيق بعدها وهددته إنه لو اتعرض لمراد أو هدده تاني هتفضح سره وتقول للباشا على اللي عمله مع عدلات ومش بس كده، لا، دي هتعرف العيلة كلها، طبعًا توفيق اتجنن وقتها، وماكنش عارف يعمل ايه؟.. ورجعت أشرقت لمراد، ومش بس كده دي كانت بتتعمد تكلمه بلطف قدام توفيق اللي كان الشر بينط من عينيه أول ما بيشوفهم مع بعض، وافتكرت أشرقت إنها خلاص قدرت تسيطر على الشيطان، لكن كانت غلطانة لإن الشيطان مابيغلبش، وعشان كده صحينا كلنا في يوم على خبر حزين، فريد جِه القصر وهو منهار وقال إن مراد بقاله 3 أيام مختفي، وماحدش عارف مكانه فين، أشرقت كانت متأكدة إن توفيق هو اللي ورا الموضوع ده، وعشان كده واجهِته وساعتها قالها…
– ماعرفش عنه حاجة.
– توفيق انا وانت عارفين كويس إنك ورا إختفاء مراد.. ماتلعبش بالنار وقولي وديته فين؟
– طب كويس انك عارفة إن انا اللي ورا الموضوع ده.. خليكِ عارفة بقى إنك لو فتحتي بوقك مش هتشوفي حبيب القلب تاني.
– يعني ايه؟
– يعني اللعبة بقت في ايدي مش في ايدك، لو جيبتي سيرة موضوع عدلات، أو فكرتي تقولي اني خطفت مراد، يبقى انسي انك تشوفيه تاني.. انتِ فاكرة إني هسيب ابن الفلاح يكسبني مهما حصل.
– طول عمرك بتحقد عليه من واحنا صغيرين.. لانه دايمًا أحسن منك.
ضحك توفيق وقال بسخرية…
– مين ده اللي أحسن مني!.. الفلاح ده أحسن مني؟
– ايوة وهيفضل دايمًا أحسن منك حتى لو قتلته.
سابته بعدها ورجعت أوضتها، كانت منهارة من العياط، كانت متأكدة إن توفيق طالما قدر يخطف مراد يبقى مش هتشوفه تاني أبدًأ، بس في نفس الوقت مش هتقدر تتكلم على أمل إن توفيق يسيب مراد عايش، ومن يومها والحال اتبدل، توفيق هو اللي بقى بيستفزها، وحتى عدلات رجعت تحت طوعه تاني بعد ما عاقبها على تصرفها وانها اعترفت لأشرقت، والمرة دي لما جريت عدلات على أشرقت عشان تتسنجد بها لاقتها عايزة اللي ينجدها، توفيق سيطر على الكل ومالقاش اللي يحاسبه أو يوقف قصاده، القصر بيغلي على نار هادية.
– وبعدين ايه اللي حصل؟
– حصلت مصيبة، كارثة، أشرقت هانم كانت في أوضتها بتعيط كعادتها من يوم ما مراد اختفى، وانا كنت معاها بحاول أخفف عنها شوية، وفجأة لاقينا الباب بيخبط، كان عم مغاوري، اتعدلت الهانم في قعدتها وطلبت منه يدخل، وأول ما دخل لاقينا وشه مقلوب وباين عليه الحزن، بصت له أشرقت هانم وسألته وهي خايفة من الإجابة…
– في ايه يا مغاوري؟
بص في الأرض ورد عليها…
– انا عايز أقول حضرتك على حاجة يا هانم.
– اتكلم يا مغاوري.
– من كام يوم شوفت توفيق بيه خارج من الأوضة اللي تحت السلم، كان شكله مبهدل وجسمه عرقان بطريقة فظيعة، استغربت طبعًا، بس قولت ماليش دعوة، لكنه بعد شوية نده عليا وطلب مني أجيبله البتاع اللي بيشربه ده، روحت عشان أجيبه ولما رجعت وقبل ما أدخل الأوضة سمعته بيتكلم مع حليم بيه، وبيقوله.. وبيقوله.
– بيقوله ايه يا مغاوري؟.. انطق.
– بيقوله إنه لسه جاي من عند مراد وإنه لسه عايش.. ماكنتش قادر استوعب الكلام من الصدمة، لكن دخلت قدمتله المشروب وطلعت جري على الأوضة اللي تحت السلم، بس لما فتحتها قلبت فيها حتة حتة، ماقدرتش أوصل لحاجة.
وقفت أشرقت هانم من مكانها وهي بتسأله بعصبية…
– ازاي!.. اومال مراد فين؟
– مش عارف ياهانم، عشان كده جيت اقول لحضرتك يمكن تقدري تلحقيه.
– طب روح انت يا مغاوري.
– أمرك يا هانم.
خرج مغاوري من الأوضة وبعدها فضلِت أشرقت رايحة جاية في الأوضة وهي بتكلم نفسها، وفي الأخر لاقيتها وقفت في مكانها وقالتلي…
– انا عرفت توفيق مخبي مراد فين في الأوضة.
راحت ناحية الباب قولتلها ساعتها…
– استني اجي معاكِ يا هانم.
– لا خليكِ انتِ عشان توفيق مايشوفكيش.
سابتني ونزلت، فضولي خلاني أنزل وراها، كنت واقفة على السلم وانا شايفاها داخلة الأوضة، بعدها قربت من باب الأوضة بس فضِلت واقفة مكاني وبصراحة خوفت أدخل، لحد ما فجأة سمعت صوت توفيق بيه جاي من فوق، خوفت ليشوفني فجريت ناحية المطبخ، ووقفت ورا الباب اتابعه وهو نازل من فوق، لاقيته مشي ناحية باب القصر، فاتنهدت بارتياح، بس مافيش ثواني وشوفته لف وشه ورجع تاني، بصيت على الأوضة لاقيت الباب مفتوح، كده معناها إن شاف الباب وعرف إن في حد دخل الأوضة، خوفت وقتها على أشرقت هانم، لو توفيق بيه دخل الأوضة وشافها هتبقى مصيبة، بس ماكنتش عارفة اعمل ايه؟.. وعشان كده وقفت مكاني أدعي ربنا مايشوفهاش، دخل توفيق بيه وعدا وقت طويل جدًا، لحد ما في الأخر شوفته خارج وكان باين عليه الإرهاق وكمان كان بيعيط، بعدها قفل الباب بالمفتاح، بص حواليه يمين وشمال، بعدت عن الباب، ولما رجعت كان مشي، خرجت من المطبخ وروحت ناحية الأوضة وخبطت وانا بنده بصوت واطي…
– أشرقت هانم.. يا أشرقت هانم.
مكانتش بترد عليا، ندهت عليها تاني…
– يا هانم لو سمعاني ردي عليا.
بس للأسف مافيش رد، ماكنتش عارفة اتصرف إزاي؟.. وفي نفس الوقت سمعت صوت الكلب بتاع حليم بيه، فمشيت من قدام الأوضة قبل ما حد يشوفني، المفاجأة بقى إني كنت قاعدة بالليل في المطبخ انا ومغاوري وسميحة مراته، لما سمعت توفيق بيه بعد ما رجع واقف في صالة القصر وبينده بصوت عالي…
– يا أشرقت.. أشرقت.
بعدها طلع على فوق وهو لسه بينده بعلو صوته، وشوية ودخل علينا المطبخ ووجه كلامه ليا…
– عهد.. ماشوفتيش أشرقت هانم؟
بصيت له باستغراب، بس خوفت ليحس إني شوفت حاجة فرديت عليه بهدوء…
– لا يا بيه ماشوفتهاش.
مشي بعدها وانا وعم مغاوري بنبص لبعض، ومافيش نص ساعة ولاقيناه هو وحليم بيه بيندهوا علينا كلنا، كنا واقفين في صالة القصر صف واحد، وقدامنا توفيق وحليم بيه والكلب بتاعه، ماكنتش قادرة اتوقع ناوي على ايه، لحد ما اتكلم وقال…
– أشرقت هانم اختفت من القصر.. حد فيكوا عنده معلومة تكون راحت فين؟
ماحدش فينا اتكلم، كلنا سكِتنا، قرب مني بعدها وبرق في عينيا قبل ما يسألني…
انتِ تقريبًا مابتفارقيهاش يا عهد ومعاكِ كل أسرارها.. انطقي الهانم راحت فين؟
كنت عايزة اصرخ في وشه بالحقيقة واقوله إني شوفته وهو داخل وراها الأوضة ومن بعدها ماخرجتش، بس ماقدرتش، خوفت على عمري، ده مفتري، أذى اخته يبقى هيعمل فيا ايه؟.. عشان كده رديت…
– ماعنديش فكرة يا بيه.
اتكلم حليم وقتها وقال…
– انا قولتلك من الأول يا توفيق.. كان لازم نخلص من الكلب اللي اسمه مراد.. عجبك كده اديهم هربوا مع بعض.
قرب منه توفيق وقال بصوت ماليان غِل…
– ماتقلقش يا حليم.. انا هجيبهم ولو في باطن الأرض.
بعدها لف وبصلنا بنفس النظرة قبل ما يقول…
– الخبر ده لو خرج بره جدران القصر ماحدش فيكوا هيطلع عليه نهار.. مفهوم.
ردينا كلنا في نفس واحد وبصوت ماليه الخوف…
– مفهوم يا بيه.
– ارجعوا مكانكوا.
اتحركنا كلنا بس فجأة نده عليا…
– عهد.
وقفت مكاني وانا بتنفض، قرب مني ودقق في عيني لثواني قبل مايهمس…
– متأكدة انك ماشوفتيهاش يا عهد؟
بلعت ريقي بصعوبة وانا باصة في الأرض…
– والله ماشوفتها يا بيه.
ابتسم ابتسامة خبيثة…
– على شغلك يا عهد.
مشيت من قدامه بسرعة قبل ما يقول أي كلمة تانية، وبعد اليوم ده بيومين، كنت نايمة بالليل وعطِشت فقومت عشان اشرب، بس بعد ماخلصت وقفلت نور المطبخ، سمعت صوت خطوات ناحية الباب الخلفي، قربت منه بهدوء وفتحته نص فاتحة وبصيت بره، ماكنش في حد، اطمنت شوية وبعدها خرجت قدام الباب وساعتها سمعت صوت زي مايكون حد بيحفر بفاس، الصوت كان جاي من ناحية الإسطبل، قربت بهدوء ووقفت اتابع من بعيد باب الإسطبل، وبعد دقايق الصوت سكت، رجعت بسرعة واستخبيت لحد ما شوفت توفيق بيه ومعاه أخوه والكلب بتاعه، خارجين من الإسطبل، وساعتها توفيق همس لحليم…
– كده احنا اتأكدنا إن ماحدش من الخدم شافها وهي داخلة الأوضة.. وبرضه ماحدش شافنا دلوقتي.. احنا في أمان اطمن.
– انا مش مصدق لحد دلوقتي اننا قتلنا أشرقت ودفناها هنا.
حطيت ايدي على بوقي من الصدمة بعد اللي سمعته، وسمعت توفيق بعدها بيرد عليه بعصبية…
– وهو انت لما قتلت عبد التواب زمان ماكنش قتل.
– ايوة يا توفيق بس.. بس دي اختنا يا توفيق.
– اختك كانت عايزة تجيب راسنا الأرض.. وبعدين انا ماكنتش قاصد اقتلها هي اللـ.
قطع كلام توفيق صوت الكلب بينبح، جريت بسرعة على المطبخ وقفلت الباب، بعدها حسيت بخطوات بتقرب وصوت الكلب بقى أقرب، كتمت نفسي ودخلت الصالة ومنها على أوضتي على طول، كنت نايمة بتنفض في السرير والدموع بتنزل على خدي وانا كاتمة نفسي عشان ماحدش يحس إني صاحية وإلا هيبقى مصيري نفس مصير أشرقت.
– وبعدين ايه اللي حصل؟
– ولا حاجة، كلنا خوفنا، انا خوفت اتكلم واقول اللي شوفته وسمعته وعم مغاوري خاف يتكلم، كلنا مستنين الباشا لحد ما يجي ونبلغه باللي حصل.
– طب هو انتِ ازاي عارفة انا جاي هنا ليه؟
– مش هو قالك هتعرف كل حاجة لوحدك، كان يقصد إنك هتقابلني واني هساعدك.
– طب.. طب انتِ عارفة هم حابسين مراد فين؟
– ايوة، بس المكان اللي محبوس فيه صعب نوصله بسهولة.
– خلينا نحاول.
– ماشي بس خلي بالك عشان لو حد شافك هتموت.. واوعى تتغر إن حليم ماشافكش عند البوابة.
– ماتقلقيش.. يلا نتحرك.
رجعت الفستان في الحفرة وردمتها تاني وبعدها قامت اتحركت ناحية باب الإسطبل وانا وراها، فضلِت واقفة لحد ما الحارسين اختفوا وبعدها جرينا ناحية المبنى، استخبينا ورا السلم اللي بيطلع لباب القصر وساعتها سمعت صوت حليم وتوفيق طالعين السلم ومعاهم الكلب، وساعتها اتكلم توفيق وقال…
– تفتكر يا حليم أبوك الزنانيري باشا هيعمل ايه لما يرجع ويكتشف اللي احنا عملناه؟
– الوالد في الإستانة ولما يرجع نبقى نقوله إنها هربت مع الولد اللي اسمه مراد.
– الولد ده لازم يموت عشان مايفتحش بوقه.
– هو انت لسه ماخلصتش منه؟
– لا لسه سايبه يموت بالبطئ عشان يدفع تمن اللي عمله.
– شرير انت ياتوفيق.
– هو كان فاكر إنه هيقدر يخدعنا ويضحك علينا ده إحنا ولاد الزنانيري.
ضحكوا الاتنين بصوت عالي وبعدها سمعت صوت خطواتهم وهم طالعين السلم ناحية باب القصر، وقتها قولت للبنت اللي جنبي…
– مراد طلع عايش يا عهد.. عايش. بس ياهم حابسينه فين؟
– هم حابسينه في القبو اللي تحت القصر.
– وده هنوصله إزاي؟
لازم ندخل جوة ونعدي من صالة القصر وبعدها ندخل من باب الأوضة اللي تحت السلم وساعتها هنلاقي دولاب، جوة الدولاب باب بينزل على القبو.
– يا نهار مش فايت، واحنا هنعدي كل ده إزاي من غير ما حد يشوفنا؟
– مش قولتلك الموضوع صعب.
– طب القصر مالوش مدخل تاني غير الباب ده؟
– لا لي، ممكن ندخل من المطبخ، بس مش عارفة هيكون فاضي ولا لا؟
– خلينا نروح ونشوف.
– طب تعالى ورايا.
استنينا لحد ما الحراس بعدوا عن المكان وبعدها اتسحبنا وروحنا ناحية باب المطبخ اللي كان في ضهر المبنى، وقفنا جنب الباب وساعتها مديت رقبتي ولمحت بطرف عيني اتنين ستات قاعدين جوة على الترابيزة وضهرهم لينا، رجعت ورا تاني، وقولت لعهد…
– في اتنين ستات جوة لازم نستنى لما يخرجوا الأول.
– تمام.
سمعت صوت واحدة من الستات اللي جوة بتقول للي معاها…
– بس هي ماكنتش تستاهل اللي حصلها ده.
ردت التانية عليها باسلوب عنيف…
– هنعمل ايه يابنتي.. ربنا يهد المفتري.
– يارب يا ست سميحة.. يارب.
سكتوا الاتنين بس مافيش ثواني وسمعت صوت راجل غريب بيتكلم…
– توفيق بيه محتاجك تروحيله يا عدلات.
قالتلها سميحة بتنهيدة…
– قومي روحيله يا عدلات لما نشوف اخرتها مع ولاد الزنانيري.
– وهو عايز ايه ياعم مغاوري؟
– مش عارف يابنتي.. روحي وانتِ هتعرفي بنفسك.
– حاضر، أمري لله.
بصيت بطرف عيني لمحت عدلات وهي خارجة من الباب اللي بيطلع على صالة القصر، ومغاوري قاعد جنب الست التانية، ولاقيته بيقرب منها وهو بيتلفت حواليه وبيهمس لها…
– امتى ربنا يتوب علينا من الخدمة عند الأنجاس دول يا سميحة؟
– فرجه قريب يا مغاوري، بس لحد ما ده يحصل مش عايزة اسمع منك الكلام ده تاني، انا مش بياعك يا اخويا، احنا محتاجينك.
– والله يا سميحة لولاش انتِ، كان زماني طاخههم كلهم بالنار ولاد الزنانيري دول.
– طب اسكت بقى، وقولي بالحق ماتعرفش الكلب ده عايز عدلات في ايه؟
– هيكون عايزها في ايه؟.. ما انتِ عارفة، شرب الكاسين وأتطوح.
– ماتقلقش، البت عدلات بتعرف تاخد بالها من نفسها.. قوم انت هات الخضار عشان اعملهم طفح يطفحوه.
– بالسم الهاري إن شاء الله، من ساعة ما حبسوا الواد مراد وانا مترمط في المشوار الزفت ده، وكل ما أروح لأخوه عشان أجيب منه الخضار يصعب عليا حاله، ببقى خلاص هنطق واقوله لكن بمسك نفسي على أخر لحظة.
انت اتجننت!.. تقوله ايه؟!.. انت لو قولتله مش هيحصل حاجة غير إن كلنا هنتقتل حتى هو هيتقتل.
– ما اني عشان كده بسكت ومش بنطق.
– طب روح يلا.. وإوعاك تقوله حاجة.
– ماشي، سلاموا عليكوا.
قام مغاوري ولاقيته جاي ناحيتنا، رجعت لورا بسرعة، وقبل ما نتحرك لاقيته واقف على عتبة الباب جنبي، كان بيني وبينه خطوة واحدة، كتمت نفسي بس…
يتبع.

قصر الزنانيري ٢

قام مغاوري ولقيته جاي ناحيتنا، رجعت لورا بسرعة، وقبل ما نتحرك وقف على عتبة الباب جنبي، كان بيني وبينه خطوة واحدة، كتمت نفسي وانا مرعوب، بس الغريبة انه فضل واقف لثواني، ومن غير ما يبص ناحيتي، لقيته بيبتسم ابتسامة عريضة وبعدها مشي في طريقه، بصيت لعهد برعب وانا بقولها…
– مغاوري شافني.
– اكيد لا، لو شافك كان مسكك.
– انا متأكد إنه شافني، أومال كان بيضحك لمين؟
– مش عارفة، بس صدقني لو شافك ماكنش هيسيبك.
– طب دلوقتي إحنا محتاجين نخرج سميحة من المطبخ عشان نعدي الناحية التانية.
– انا عندي فكرة.
– فكرة ايه؟
– انا هخرج سميحة واعطلها، وانت هتدخل وتعدي الناحية التانية زي ماقولتلك.
– يعني انتِي مش هتكملي معايا؟
– لا مش هينفع، يلا بسرعة قبل ما عدلات ترجع.
– ماشي.
وقفت عهد الناحية التانية جنب الباب وبدأت تغني بصوت عالي، في اللحظة دي لفت سميحة وراها عشان تشوف مصدر الصوت، علت عهد صوتها أكتر لحد ما قامت سميحة من على الكرسي واتحركت ناحيتها، أول ما سميحة وقفت على الباب، رجعت عهد لورا وهي بتضحك، كشرت سميحة في وشها واتحركت ناحيتها وفي ايدها السكينة اللي كانت بتقطع بيها وقالت بغضب…
انتِي تاني!.. انتِي ايه اللي رجعك؟
ضحكت عهد وهي بترجع لورا كمان خطوتين عشان تسحب سميحة اللي فعلًا مشيت وراها، واول ما بعدِت عن الباب دخلت انا المطبخ بسرعة، لكن في نفس اللحظة سمعت صوت حاجة بتتبهد في الأرض وبعدها سمعت صرخات عهد، جريت بسرعة ناحية الباب اللي بيطل على صالة القصر، بصيت يمين وشمال مالقتش حد، بصيت بعدها على الأوضة اللي تحت السلم، الباب كان مقفول، في اللحظة دي سمعت صوت ورايا بيقول…
انت مين انت كمان؟
لفيت بسرعة لقيت سميحة ورايا بتقفل الباب الخلفي ورافعة السكينة الغرقانة بدم عهد، بصت لي وابتسمت ابتسامة عريضة قبل ما ترمي السكينة، بعدها جريت ناحيتي، تفكيري اتشل، ماكنتش عارف اتصرف إزاي؟.. بس قبل ما تقرب مني بخطوتين، اتحركت وخرجت بره المطبخ وانا بقفل الباب ورايا، فضِلت ماسك الأوكرة عشان ماتفتحش الباب، وهي من الناحية التانية عمالة ترزع على الباب وتصرخ بعلو صوتها، لكن بعد دقيقة الصوت إختفى، سيبت الأوكرة بهدوء وحذر لحد ما اطمنت إنها مش هتفتح الباب، اتنهدت بعمق ولفيت وشي وانا ببص على الأوضة، اتحركت ناحيتها، وقفت قدام الباب وانا ماسك الأوكرة ومتردد أدخل، بس فجأة، فجأة سمعت صوت الكلب بينبح، بصيت ناحية الصوت لقيته جاي عليا بسرعة، برقت وانا شايفه بيطير في الهوا عشان ينقض عليا، لفيت الأوكرة بايدي وزقيت الباب ورميت نفسي جوة الأضة، وبعدها قفلت الباب برجلي، ومع قفلة الباب، سمعت صوت الكلب وهو بيترزع بجسمه عليه، حسست على نفسي عشان اتأكد إني عايش، ماكنتش قادر أخد نفسي، ضربات قلبي سريعة بشكل مش طبيعي، انا ايه اللي رماني الرمية دي؟!.. ومين الناس دول؟.. وليه عايزين يقتلوني؟.. مش عارف، بس انا.. انا لازم اخرج من هنا بأسرع وقت بعد ما اعرف اللي الراجل بعتني عشان اعرفه، وفي اللحظة دي ووانا بكلم نفسي، سمعت صوت ضحكة خليعة في الأوضة، بصيت جنبي، وساعتها اكتشفت إن الأوضة ضلمة، بس في شمعدان منور نور خفيف، بصيت ناحية النور، لمحت واحدة ست ضهرها ليا وقدامها واقف راجل ملامحه مش باينة في الضلمة، رجعت بسرعة واستخبيت ورا الكومودينو، بعدها خرجت بجسمي شوية عشان أقدر اتابع المشهد، الست ضحكت ضحكة تانية بنفس الطريقة وبعدها قالت…
– يخرب عقلك يابيه.. انت شقي أوي.
– بيه ايه بس!.. قوليلي ياتوفي.
– هيهيهي، توفي.. يخرب عقلك يا توفي.
اول ما سمعت الصوت قدرت أميزها، دي عدلات، بس ماكانتش لابسه هدوم المطبخ، دي كانت لابسه قميص نوم وتوفيق كان بيحاول يمسكها لكنها كانت بتفلت منه، ولإنه كان باين عليه السُكر، فكان سهل عليها تهرب منه، وفجأة، عدلات زقته على كنبة موجودة في الحيطة اللي جنب السرير، وقعدت جنبه وسألته بجدية…
– الا بالحق يا توفي، انتوا هتعملوا ايه لما الباشا الكبير يرجع ويعرف اللي انتوا عملتوه معاهم؟
ضحك توفيق واتكلم من غير إتزان…
– ولا حاجة، هنقوله الحقيقة.
– وتفتكر هيعديها بالساهل كده؟
– لا طبعًا، هيتعصب ويوقف يهلل شوية وبعدين يطلع أوضته، وساعتها يجي دورك انت بقى يا جميل.
– دوري!.. دوري إزاي يعني؟
– تطلعي وراه وتفرفشيه.
قامت عدلات من جنبه وهي بتبص له باندهاش…
انت بتقول ايه؟
– بقول ايه.. ايه الغريب في كلامي يعني؟
انت عارف انت بتطلب مني ايه؟
– بطلب منك تعملي معاه نفس اللي بتعمليه معايا.
انت بجد…
– ايه!.. انا سيدك، ولا نسيتي، وانتِي هنا عشان تعدلي مزاجي وبس، لاتكوني سرحتي بخيالك في حتة تانية.
– لا ماسرحتش ولا حاجة.
– ايوه كده، انا ايه؟
– سيدي.
– وانتِي هنا ليه؟
– عشان أعدل مزاجك يا سيدي.
– واللي قولتلك عليه هتنفذيه بالحرف أول ما سيدك الباشا الكبير يرجع.. مفهوم؟
– مفهوم يا توفيق.. بيه.
– شاطرة.
في اللحظة دي رجعت بجسمي لورا، بس كتفي اتخبط في سيف الكومودينو، حاولت اثبته بسرعة، واتنهدت بعدها وانا بريح ضهري على الحيطة، بس مافيش ثواني وسمعت صوت حاجة بتزحف على إزاز الكومودينو وبعدها سمعت صوتها بتوقع على السيراميك، كانت دبلة، نزلت على الأرض وفضلِت تتنطط على السيراميك بصوت مزعج، مديت رجلي عشان اثبتها، بس فجأة سمعت صوت توفيق بيقول…
– ايه الصوت ده؟
ردت عليه عدلات…
– مافيش صوت ولا حاجة.
– لا انا متأكد إني سمعت صوت في الأوضة.
– طب خليك انت ياسيدي وانا هقوم اشوف في ايه؟
لميت رجلي بسرعة وكتمت نفسي، قربت عدلات من الكومودينو وبعدها وطت على الأرض عشان تاخد الدبلة، وفي اللحظة دي عينيها جت في عينيا، بصت لي بغضب، كنت حاسس إني عايز اقوم ازقها واجري، بس فجأة اتكلمت بهمس وقالت…
– افتح الدولاب وادخل بسرعة.
مِسكِت الدبلة ورجعتِها مكانها على الكومودينو وهي بتقول بصوت عالي…
– دي دبلتك يا سيدي باينها وقعت على الأرض.
– طب رجعيها مكانها وتعالي.
– حاضر.
ماكنتش فاهم اللي حصل!.. هو مش المفروض إن لو حد فيهم شافني يموتني، إزاي عدلات بتساعدني؟.. هو ايه اللي بيحصل في القصر ده؟.. الناس هنا كلها مريبة كده ليه؟.. انا لازم ادخل الدولاب واعدي من الباب عشان اوصل لمراد وافهم منه ايه اللي بيحصل، حاولت استجمع شجاعتي وبعدين بصيت على عدلات وتوفيق، كانوا منسجمين مع بعض، قومت بهدوء ومشيت ناحية الدولاب، كنت مركز معاهم وساعتها عيني جت في عين عدلات اللي كانت بصة ناحيتي، اما توفيق، فكان ضهره ليا، عدلات شاورتلي بعينيها عشان أكمل، قربت من الدولاب وفتحت الدرفة، وفي اللحظة دي، توفيق زق عدلات بعيد ولف وبص لي…
انت رايح فين؟.. استنى عندك.
نطيت بسرعة في الدولاب وقفلت الدرفة ورايا، كنت سامع صوته وهو بيحاول يفتح الدرفة، ماكنتش قادر أخد نفسي من كتر الخوف، خدت دقيقة أو دقيقتين على ما قدرت اهدي نفسي، وساعتها لقيتني في مكان ضلمة، حسست بايدي عشان اوصل للباب، مسكت بايدي حتة قماشة حرير، زقيتها بعيد، بعدها جت في ايدي قماشة تانية شكلها بدلة رجالي، زقيتها هي كمان بعيد، اتقدمت من بينهم ومديت ايدي في الفراغ لحد ما خبطت في خشب، أكيد هو ده الباب، حسست بايدي في كل مكان لحد ما ايدي خبطت في حاجة معدن، ايوة هي دي.. أوكرة الباب، مسكتها، بس ماعرفش ليه قبل ما افتح حسيت بخوف شديد، وعشان كده وقفت ثواني وسألت نفسي.. انت مستعد تواجه اللي هتشوفه ورا الباب ده؟.. كل اللي بيحصل لحد دلوقتي مش طبيعي، بس ياترى ايه اللي هيحصل لما تفتح الباب؟.. لقتني برد ببرود، مش مهم، أيًا كان اللي هيحصل فده الطريق الوحيد لخروجي من هنا حي، مابقاش ينفع أرجع خلاص، خدت نفس عميق وبعدها لفيت أوكرة الباب ودخلت.
المكان بارد جدًا، ايه ده!.. انا حافي ليه؟.. الأرض تقريبًا من الرخام، قدامي اربع بلطات رخام وسور إرتفاعه حوالي متر، والبلاط بيودي لسلم، مشيت لحد هناك ومديت رجلي على أول سلِمة، جنبي كان في ترابزين عالي جدًا برضه من الرخام، أول ما حطيت رجلى على السلِمة الاولى حسيت بدفا، رفعت رجلي عشان انزل على السلِمة التانية، لكن وقتها حسيت بحاجة لزجة في رجلي، بصيت ناحية الارض وساعتها لقيت السلم كله دم، لفيت وشي عشان أرجع، وفي اللحظة دي الباب اتفتح ودخل حليم ومعاه الكلب، الكلب اللي أول ما شافني فضل ينبح عليا وهو بيحاول يقرب مني، لكن حليم كان واقف على البلاطة الأولى قدام الباب ورابطه بالسلسة، بص لي بابتسامة سخيفة وشاورلي ناحية السلم عشان أنزل، وطبعًا أي إعتراض مني نتيجته معروفة، وهي إن الكلب سلسلته هتتفك والباقي مش محتاج تفسير، رجعت للسلم تاني، مديت رجلي في الدم ونزلت، وساعتها ظهر قدامي وفي نهاية السلم توفيق، كان واقف مبتسم نفس الإبتسامة الخبيثة وهو بيشاورلي عشان أقرب منه، بصيت ورايا على حليم والكلب وبصيت قدامي على توفيق، ماكنش قدامي حل غير إني أنزل، وفعلًا نزلت، ومع كل سلِمة كانت لزوجة الدم بتزيد، لحد ما وصلت للسلمة الأخيرة، توفيق كان مبتسم وبيمد ايده عشان يمسكني وهو بيقولي…
– تعالى.. تعالى كلهم جوة.
بصيت له باستغراب، ف كمل كلامه…
– ماتستغربش، هو انت كنت فاكر إنك هتوصل لحد هنا من غير ما نشوفك!.. انت أكيد مش بالسذاجة دي.
شدني من ايدي ومشي بيا جوة القبو، كان قدامي على الأرض اثار دم ناشف، زي مايكون في حد كان بيجر جثة على الأرض، رفعت راسي وساعتها شوفت منظر بشع، قدامي كانت عدلات واقفة وايديها مربوطة في سلسلة نازلة من السقف، ورجليها الاتنين متربطين في بعض بسلسة واحدة، وشها كان باين عليه أثر التعذيب، وجنبها سميحة مربوطة بنفس الطريقة، الاتنين كان باين عليهم أثر التعذيب وهدومهم غرقانة دم، بصلهم توفيق وهو بيضحك ضحكة عالية وبعدين قالي…
– ايه رأيك؟.. مش دول اللي ساعدوك.. استعد عشان هتكون جنبهم دلوقتي.
في اللحظة دي سمعت صوت أنين، بس ماكنتش قادر أحدد الصوت ده جاي منين، لكن بعد ثواني، الصوت رجع تاني، المرة دي بصيت ناحية الصوت، كان جاي من ركن في أخر القبو، الصوت كان جاي من وسط ضلمة مش قادر أحدد مين جواها، اتقدمت في الضملة وساعتها قدرت اشوف مين اللي بيئن، كان شاب شِبه عريان، شحم على عضم، ضلوعه باينة من تحت الجلد، جسمه كله ماليان جروح، ايديه الاتنين متسلسلين في الجدار فوق دماغه، ورجليه الاتنين هم كمان متسلسلين، بس واضح من حجم السلاسل إنها كانت أضخم من كده بكتير، تقريبًا لو حاول يخرج رجليه من حلقة السلسلة هتخرج من كتر ما وسعت عليه، هيكل عظمي قاعد قدامي على الأرض، رفع راسه واتكلم بصوت ضعيف…
– ايه اللي جابك هنا يا فريد؟
بصيت حواليا يمين وشمال، لكني مالقتش حد، فسألته باستغراب…
انت مين؟.. وايه اللي عمل فيك كده؟
– انا مراد يا فريد.. انا مراد، معقولة مش عارف أخوك حتى وهو عضم.
انت مراد!.. هم عملوا فيك ايه؟
بص جنبه وقال بصوت حزين…
– قتلوا عهد يافريد.. قتلوها.
بصيت ناحية ما بيبص، لقيت هيكل عظمي لجثة متكومة على جنب، وفجأة سمعت صوت ضحكة جاية من ورايا، لفيت بسرعة عشان الاقي عهد واقفة، بصيتله وقولتله…
– عهد اهي يا مراد، عهد عايشة ماماتتش.
رفع راسه ببطء ودقق النظر فيها وبعدين قالي…
– دي مش عهد.. دي.. دي أشرقت.
– ايه!.. ازاي؟!
بصيتلها برعب، كانت ابتسامتها بشعة وشكلها ذميم، استغربت من الموقف وسألتها…
– يعني انتِي.. انتِي بنت الباشا اللي أخوها قتلها؟!
ضحكت ضحكة مرعبة وهي بتصقف بايديها وبعدين قالتلي…
– مش معقول يا ابراهيم، طلعت غبي زي مراد، اللي انت شوفتها في الحفرة دي تبقى عهد الخدامة بتاعتي، اللي البيه فضلها عليا، رجالة رمرامة، إذا كان هو ولا توفيق.
اتكلم توفيق ساعتها وقالها بغضب…
– مش معنى إني قتلت عهد إنك تفتكري نفسك أجمل منها، عهد أجمل واحدة دخلت القصر ده، ولولا الكلب ده كان زمانها بقت ملكي.
– أجمل واحدة دخلت القصر!.. انت طول عمرك مابتفهمش في الستات، وبتجري ورا الخدامات، ماتعرفش يعني ايه جمال.. طب بذمتك يا ابراهيم انا وحشة؟
بصيت لها بقرف، عينيها أحمرت وقربت مني وهي بتسأل بعصبية…
– انا وحشة يا ابراهيم؟
– لا لا حلوة.. حلوة.
– شوفت يا توفيق.. اهو قال إني حلوة.
سكِت توفيق شوية قبل ما يضحك ضحكة عالية وبعدها هي كمان ضحكت، بصيتلهم باستغراب، بس توفيق في وسط ضحكه قالها…
– مافيش فايدة فيهم، مش هيتغيروا مهما حصل.
– اغبيا أوي.
بطلِت ضحك وبعدها بصتلي بغضب…
– بتكدب ليه يا ابراهيم، فاكر إن الكدب هينجيك مني، انت عارف إني وحشة، وبعدين خلاص، انت كده كده ميت.
– انا.. انا….
في اللحظة دي حسيت وكأن في حاجة بتخرج من جسمي، وبعدها شوفت كيان اسود واقف قدامي، كان نسخة من الراجل اللي في الكشك، خرج ووقف جنبي، وفي اللحظة دي شهقت أشرقت بفزع، اما توفيق، فبانت عليه علامات الرعب…
– فريد!.. انت، انت دخلت هنا إزاي؟
ضحك الكيان ده وبعدين قال…
– جِه وقت الحساب يا توفيق، انت وأشرقت هتدفعوا تمن اللي عملتوه في مراد وعهد.
في اللحظة دي دخل حليم في الدايرة ومعاه الكلب اللي فضل ينبح على الكيان بنفس الطريقة اللي كان بينبح بيها عند البوابة، والغريبة إنه مانبحش عليا خالص المرة دي، واضح كده إنه كان قاصد الكيان ده من الأول، مش قاصدني انا، وقفوا التلاتة قدام فريد، أو بمعنى أدق قدام قرين فريد، التلاتة كانت عينيهم بتطق شرار، وفجأة بصت أشرقت في السما وصرخت صرخة عالية، بس أول ما رجعت راسها وبصت ناحيتي، شوفت منظر بشع، وش من غير ملامح، عيون مجوفة، تجاعيد في كل جسمها، بصت لي وقربت مني، لكن فريد وقف بيني وبينها، وبعدها بص ناحية عدلات وسميحة ومراد، عشان فجأة يخرج من جسم كل واحد فيهم كيان شبهه بالظبط، ويقربوا من الدايرة، اما توفيق وحليم، ف لفوا وشهم ناحية الكيانات التلاتة، وبدأت معركة شرسة بينهم، وقفت في ركن بعيد اتفرج على اللي بيحصل، أشرقت كانت بتحاول توصلي بأي شكل، لكن فريد كان بيمنعها وبيحميني منها، وفي النهاية قدر بمساعدة عدلات وسميحة انهم يسلسلوا توفيق وأشرقت وحليم، بعدها وقف فريد قدامهم وقال بصوت ماليان غضب…
– أخيرًا.. أخيرًا نهايتكوا هتبقى على ايدي، سنين وانا مستني اللحظة دي.
ماكنتش مستوعب أي حاجة من اللي بتحصل،
صرخت في الكيان ده بفزع وانا بسأله…
– هو ايه اللي بيحصل بالظبط؟
– اللي بيحصل دلوقتي هو نفس اللي حصل يومها، الفرق الوحيد إن كل اللي قدامك دول أشباح، اصحابها كانوا أنجس خلق الله.. كل اللي أشرقت حكيتهولك كدب، حاولت تقنعك إنها بنت الباشا اللي ضحت وماتت عشان ابن الفلاح البسيط، لكن في الحقيقة هم التلاتة اللي قتلوا مراد وعهد، وحتى مغاوري ومراته وعدلات.. انا ابويا كان بيشتغل عند الزنانيري قبل ما الكلب اللي اسمه حليم يقتله زي ما اخته اعترفت من شوية، ماكنش لينا غيره في الدنيا، خصوصًا إن أمي ماتت بعد ما ولدتنا بسنتين، وبعد ما ابويا اتقتل، الزنانيري خدنا ودخلنا القصر، واللي ربونا كانوا عم مغاوري وخالتي سميحة لإنهم ماكنوش بيخلفوا، بس انا النهاردة فهمت ليه الزنانيري اللي طول عمره قلبه قاسي ومابيرحمش حد، عمل كده، اتاريه كان بيداري على اللي ابنه عمله في ابويا، المهم لما كبرنا اشتغلنا في الأرض، كنا صاينين الراجل اللي ربانا، كنا فاكرينه راجل محترم، وعشان كده ماحدش فينا فكر يبص لبنته، وللأسف كنا بنعتبرها زي أختنا، بصراحة مش عشان كده بس، لكن في الحقيقة هي كانت وحشة جدًا، يمكن شكلها ماختلفش كتير عن دلوقتي.
في اللحظة دي صرخت أشرقت صرخة مرعبة، لكن فريد ضربها على بوقها، وبعدين كمل كلامه…
– وفي وسط ده كله جت بنت جميلة، زي القمر، اسمها عهد، جت عشان تشتغل في القصر الملعون ده، وفي نفس اليوم اللي دخلت فيه القصر، دخلت قلب مراد، وكلمني عن حبه ليها، وانا قولتله يومها…
– انا ماعنديش مانع، هي جميلة وشكلها هادية وبنت حلال.. واهم حاجة انها من توبنا.
– يعني فكرك اروح اتكلم معاها يا اخويا؟
– ياواد اتقل، البت لسه جاية ماكملتش يومين، اتقل كده لما تشوف مايتها ايه؟.. طيبة فعلًا زي ما باينة، ولا لوعة ومش سهلة.
والحقيقة إنه مع الأيام اتأكدت إنها بنت حلال فعلًا، والمرة دي انا اللي طلبت منه يفاتحها في الموضوع، ولو وافقت يبقى على البركة ويتجوزوا، اتكسف يومها وقالي اطلب من خالتي سميحة هي اللي تجس نبضها وتعرف رأيها، وكمان عشان مايبقاش في إحراج، المهم إن عهد وافقت والأمر تم على خير وقرينا فاتحتهم، بس اللي ماحدش فينا كان عامل حسابه، هو إن قراية الفاتحة دي هتشعلل نار الحقد والغِل في قلب أشرقت، استكبرت إن الخدامة بتاعتها تتخطب، وهي البرنسيسة لسه ماحدش دق بابها، ومش كده وبس، الحقيقة إن النار كانت قايدة من ساعة ما عهد دخلت القصر، ولقت كل العيون عليها والكل بيحلف بجمالها، وفي الوقت ده توفيق ماكنش موجود في مصر، كان بيتفسح بره، ماكنش في غير حليم وأشرقت اللي من تاني يوم قراية الفاتحة، وهي قلبت على الكل، وأولهم مراد وعهد، بقت بتتعمد تهينها قدامه، ولما تشوفهم واقفين مع بعض، بتستغل نفوذها عشان تفرقهم، كل ده كان عادي وممكن يتحملوه، لكن اللي حصل بعد كده ماكنش عادي، في يوم طلبت أشرقت مراد في القصر، ولما راح لقاها قاعدة عند الشجرة اللي في أخر الجنينة، وقف قدامها وقالها…
– حضرتك طلبتيني يا هانم؟
– ايوة يا مراد، تعالى قرب جنبي هنا.
– انا كده كويس، حضرتك محتاجاني في ايه؟
بصتله بضيق قبل ما تقوله…
– سمعت إن انت وعهد هتتجوزوا قريب.. صحيح الكلام ده؟
ابتسم قبل ما يرد عليها…
– اه فعلًا ياهانم.. وان شاء الله حضرتك تبقى تشرفينا.
– اه طبعًا لازم أجي وأحضر.. ماتيجي تقعد هنا يامراد انت واقف بعيد ليه؟
– كتر خيرك يا هانم، حضرتك كنتِي عايزاني عشان تسأليني عن الفرح ولا في حاجة تانية؟
قامت وقفت وقربت منه وهي بتقوله…
– بصراحة، انا كنت قاعدة زهقانة ومش لاقية حد اتكلم معاه، فقولت ابعتلك وندردش شوية.
– احم احم، انا اسف يا هانم بس اصلي.. اصلي ورايا شغل كتير ولازم اخلصه.
قربت منه أكتر…
– وهو الشغل هيطير.. ادينا قاعدين مع بعض.
بعد عنها شوية وهو بيحاول يهرب منها بأي شكل…
– طب.. طب أروح أخلص كام حاجة كده وارجعلك طوالي.
– لا ابقى خلصهم بعدين.
– يا هانم انـ…
– مراد انا بحبك.
– ايه!.. حضرتك بتقولي ايه؟
– بقول اللي سمعته، انا بحبك يا مراد، امتى وازاي؟.. ماعرفش!.. لكن لما عرفت خبر خطوبتك انت وعهد في حاجة جوايا اتحركت وحسيت انك بتضيع مني، اتاريني بحبك السنين اللي فاتت دي كلها وانا ماعرفش.
– ياست هانم اللي بتقوليه ده مايصحش.
ليه هو الحب حرام؟
– اه لما يكون بالشكل ده يبقى حرام.
– طب ما انت بتحب عهد وهي كمان بتحبك.
– اولًا اني راجل خاطب، ثانيًا عهد من توبي وانا من توبها، لكن سعادتك فين وانا فين، العين ماتعلاش عن الحاجب ياهانم.
– عين ايه وحاجب ايه، احنا كلنا ولاد تسعة زي مابتقولوا.
– حتى لو كلامك صحيح يا هانم، فانا راجل خاطب وبحب خطيبتي.
قربت منه تاني وهي بتحاول تمسك ايده، لكنه بعدها عنه، فبصت له بغضب وقالتله…
– ماشي.. ابقى خلي الخدامة تنفعك.
– عن إذنك يا هانم.
مشي مراد يومها وهو قلقان على عهد لانه عارف جنان أشرقت، وعارف انها طالما حطت حاجة في دماغها، يبقى لازم توصلها مهما كان التمن، وعشان كده جالي بسرعة على البيت وحكالي اللي حصل، وسألني يتصرف إزاي؟.. قولتله يصبر وانا هعرف اتصرف معاها، بس للأسف مالحقتش، لانه تاني يوم اتفاجئنا كلنا بالشيطان راجع من بره، وقبل ما اتصرف مع أشرقت، كان الشيطان شاف عهد، وقرر إنها بقت بتاعته، طول عمره عيل هلاس وعينه فارغة، مابيشبعش، ونفس اللي أشرقت حاولت تعمله مع مراد، الشيطان ده حاول يعمله مع عهد، اغراها بالفلوس، بالفساتين والسفر، لكنها كانت أصيلة ومالفتش نظرها غير قذارته ودناوته، وهنا بدأوا الاتنين يتفقوا مع بعض عشان يفرقوا مراد وعهد عن بعض، بس كل محاولاتهم كانت أضعف من حب الاتنين لبعض، وفي وسط ده كله، فجأة اختفى مراد، قلبت الدنيا عاليها واطيها، لكن ماكنش له أي أثر، كنت متأكد إن الكلاب دول ورا اختفائه المفاجئ، بس ماقدرتش أوصل معاهم لنتيجة، لحد ما مروا 3 ايام، ومع طلعة نهار اليوم الرابع، لقيت عم مغاوري جايلي على البيت والخوف والرعب مالين عينيه، فسألته بلهفة…
– مالك يا عم مغاوري في ايه؟
– الحق.. الحق يا فريد يابني.
– خد نفسك طيب وقولي في ايه؟
– مافيش وقت، الشيطان اللي اسمه توفيق.
– ماله؟
– قتل عهد.
– ايه؟.. انت بتقول ايه؟!
– اللي سمعته يابني، توفيق قتل عهد بعد ماعرفت هو مخبي مراد فين؟
– مخبيه فين ياعم مغاوري؟
– في القبو اللي تحت القصر.
– مين اللي قالك الكلام ده؟
– عدلات.
– وهي عدلات عرفت مين؟
– توفيق هو اللي قالها، بعتلها تروحله زي ما متعود، وأول ما دخلت عليه لقته بيعيط، استغربت منظره، كانت أول مرة تشوفه بالشكل ده، قاعد على الكرسي وبيتنفض، قربت منه وسألته بيعيط ليه.. ف رفع راسه وبص لها وقال بدموع عينيه…
– انا ماكنتش عايزها تموت.. هي اللي غبية وموتت نفسها.
بعدت عنه عدلات وهي مرعوبة وسألته بفزع…
– قتلت مين؟.. انطق.. قتلت مين؟
– ماقتلتهاش، والله ماقتلتها.. هي اللي دورت على مراد ووصلت لمكانه، كنت بفتح الباب عشان انزل لمراد، لاقيتها في وشي، اترعبت أول ما شافتني، حاولت أقرب منها وافهمها اني بحبها، لكنها فضلت ترجع بضهرها لحد ما رجليها فلتت ووقعت من على السلم.. وقفت أبص عليها لحد ما وصلت لأخر سلمِة، السلم كله كان غرقان دم، نزلت وانا بدعي ربنا ماتكونش ماتت، بس أول ما رفَعَت راسها لاقيت ايدي غرقانة بدمها، انا ماقتلتهاش.. صدقيني يا عدلات ماقتلتهاش.. ولا كنت عايزها تموت من اصله.. بس هي اللي غبية ومافهمتش.
انت سافل.. حقير.
قام من مكانه وحاول يقرب منها، لكن عدلات بعدته عنها وهي بتزعق…
– ابعد عني، اياك تلمسني.
– عدلات انا محتاجلك.. محتاجلك أوي.. ماتسيبنيش.
والمرة دي قدر يمسكها، وبعنف، حاولت تفلت منه، لكنه بدأ يتعصب عليها، والبنية من خوفها، سايرته لحد ما في الاخر نام، وساعتها اتسحبت وخرجت من الأوضة وجت جري وحكتلي اللي قولتهولك ده.
– طب وانت ماعرفتش المكان ده فين؟
– هو ماقالهاش، بس عدلات بتقول إن الأوضة كانت غرقانة دم، وده معناه إن المكان ده في الأوضة.. اجري الحق اخوك يا فريد.. ده لو كان الكلب ده لسه سايبه عايش.
أول ما قالي كده جريت على القصر زي المجنون، ماكنتش بفكر في أي حاجة، لا هعمل ايه في توفيق لما اشوفه ولا هدخل ازاي؟.. كل اللي كنت بفكر فيه إني أنقذ مراد اخويا، واللي هيوقف قصادي هقتله، وصلت القصر ودخلت من الباب الوراني للمطبخ، الغريبة إني مالقتش خالتي سميحة ولا عدلات، مشيت لحد الباب اللي بيطل على الصالة، ماكنش فيه أي حد، بصيت على باب الأوضة اللي تحت السلم وبسرعة جريت عليها، وساعتها اتفاجئت لما لاقيت درفة الدولاب مفتوحة، وباب القبو كمان مفتوح، دخلت جوة بسرعة، ومع أول سلِمة لقيت حليم داخل ومعاه الكلب بتاعه وبيقفل باب القبو، وقدامي كان توفيق واقف عند اخر سلمِة تحت، كان واقف مبتسم وبيشاورلي انزل، عينيا طقت شرار ونزلت بسرعة، هجمت عليه وخدته ووقعنا على الأرض وفضِلت أضرب فيه، لكن فجأة حليم فك سلسلة الكلب وفي ثواني هجم عليا، حاولت اهرب منه، لكن لقيت ضربة على دماغي وماحسيتش بحاجة بعدها.
لما فتحت عيني، كنت مربوط بالسلاسل وقدامي كانت خالتي سميحة وعدلات مربوطين زي ما انت شايفهم كده.. وساعتها وقف الشيطان ده في وشي وقالي…
– مش هم دول اللي قالولك على الحقيقة.. وانت بقى البطل الشجاع اللي جاي ينقذ أخوه.. اديك هتموت جنبه، يلا، عشان تبقوا تونسوا بعض في الاخرة.
– انا مش هسيبك يا توفيق.. مش هسيبك.
– توفيق بيه يا كلب.
وراح بخفة ناحية عدلات ومسكها من وشها بعنف…
– وانتِي بقى يا حلوة، فاكرة انك هتنتقمي من اللي عملته فيكِي لما تقوليلهم إني قتلت عهد!.. دي اخرة اللي يعرف رعاع زيكوا، بس ملحوقة، اديكوا كلكوا هتحصلوها.
وفي اللحظة دي سمعت صوت أنين جنبي، كان صوت مراد، بصيت عليه، كان نايم في ركن ومتربط، وجنبه جثة عهد، حاولت أفك نفسي من السلاسل، لكن ماقدرتش، وساعتها سمعت ضحكة عالية، ولما بصيت على اللي بيضحك لقيت أشرقت قاعدة قدام مراد، وبعد ما خلصت ضحك قربت من وشه وقالت بهمس…
– نفعتك بايه الخدامة دلوقتي بقى؟!.. مش كان زمانك معايا وبنلف العالم كله، انا كنت ناوية أخليك بني ادم.
رد عليها بصوت ضعيف وهو بيحاول يقاوم الألم…
– طول عمرك كنتِي نكرة وهتموتي وانتِي نكرة، كل الناس قرفانة تبص في وشك.
بعد ما خلص جملته تف عليها، مسحت وشها وبعدين ضربته بالقلم…
– فعلًا رعاع.. هتعيشوا وتموتوا رعاع.. توفيق.. اخلص من الكلب ده ومن كل الرعاع دول.
– هيحصل.. هيحصل يا أشرقت.
كنت شامم ريحة دخان في المكان، قرب توفيق من عدلات وحط المسدس في دماغها وقال بصوت شيطاني…
– ابقي سلميلي على عهد.
وداس على الزناد بعدها عشان تموت عدلات، وبعدين قرب من سميحة وقالها بنفس الصوت…
– ماكنتش عايزك تموتي.. لكن لازم تدفعي تمن الخيانة اللي جوزك عملها.. هتوحشيني يا دادة سميحة.
وخرجت الرصاصة واستقرت في قلب خالتي سميحة، بعدها قربت أشرقت من توفيق وطلبت منه المسدس، ناولهولها، وقفت قدام مراد وايديها بترتعش، بس حاولت تتماسك وتبان قوية وقالت بغضب…
– لما قربت منك بعدتني عنك وحسستني اني نكرة.
ضربت الطلقة الأولي في كبد مراد، وكملت بعدها
– فضلت الخدامة عليا لانها أجمل مني.
وضربت الطلقة التانية في صدره…
– بتقول عليا نكرة، مع اني طول عمري ستك وتاج راسك.
وضربت الطلقة التالتة في قلبه…
– بتقول إن ماحدش هيبص في وشي، بس أوعدك إني هتجوز سيد سيدك.
وضربت الطلقة الرابعة في راسه، بعدها رمت المسدس على الأرض وجسمها كله كان بيترعش والدموع مغرقة وشها، ريحة الدخان كانت بتزيد، والضباب بدأ يغطي المكان، سمعت وقتها الكلب بينبح ناحية باب القبو، وحليم بيصرخ فيهم…
– الحقوا.. الحقوا.
سأله توفيق باستغراب…
– في ايه؟
– في دخان جاي من ناحية الباب.
– طب اطلع شوف في ايه بسرعة.
جري حليم على فوق، بس بعد ثواني رجع وهو بيكح وبيقول…
– توفيق القصر بيولع.
انت بتقول ايه؟.. مين اللي عمل كده؟
– مافيش غيره.. هو مغاوري.
– طب يلا نخرج من هنا بسرعة.
– يلا يا أشرقت.
ماردتش عليهم، وهنا قال حليم لتوفيق…
– سيبك منها ويلا بينا احنا.
قعدت أشرقت قدام مراد وهي بتمشي ايدها على وشه وبتقوله بهمس…
– مراد.. يلا، يلا مراد.. يلا عشان نتجوز، انا سامحتك.. سامحتك خلاص وهعتبر اللي حصل منك ده غلطة ومش هتتكرر.. مراد.. قوم يامراد.. قوم عشان خاطري.. عارف انا نفسي في ايه؟!.. نفسي ننسى كل اللي فات ونبدأ صفحة جديدة، انا وانت وبس.. انت مابتردش عليا ليه يامراد.. زعلان مني؟.. طب انا اسفة.
عدت دقيقة ولقيتهم نازلين من على السلم وهم بيكحوا جامد، وبيحاولوا يفكوا الكرافتات ويقلعوا هدومهم من الخنقة، اما أشرقت، فنامت في حضن مراد وهي بتغني بصوت مبحوح…
– يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا.. كح كح.. ونبني طوبة طوبة في عِش حبنا.. كح كح.. نتهنى بالخطوبة ونقول من قلبنا… هاهاهاهاها.. يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا.
كنت شايف حليم وتوفيق وهم بيطوحوا في وسط الضباب وبيقعوا على الأرض، كنت شايف عدلات وهي بتتفرج عليهم وبتشفي غليلها، وسميحة مبتسمة ليا، أما مراد فكان واقف عند السلم وفي ايده عهد، شاورولي والابتسامة على وشهم وبعدها طلعوا ناحية القصر، بص فريد على الجثث بحزن وبعدين وقالي…
انت عملت اللي عليك ودخلتني لحد هنا، واخر طلب هطلبه منك.. لما ترجع، تدخل القصر وتحرر أجسادنا.. اما دلوقتي فلازم تهرب زي ما دخلت قبل ما النار تمسك في القصر.
طلعت جري على السلم ومنه على الباب، وأول ماخرجت من باب القصر النار مسكت في المكان كله، وقتها عيني جت على عربية من العربيتين اللي واقفين، جريت عليها وركبتها وبسرعة جري الحصان، الغريبة إن بوابة القصر اتفتحت لوحدها، وفضلت أجري لحد ما وصلت للكشك، نزلت من العربية ووقفت قدام الكشك، بس لما لفيت ورايا مالقتش العربية ولا الحصان، بصيت على المبنى لقيته عبارة عن كومة رماد محروق والدخان طالع للسما، زقيت الباب ودخلت، قعدت على الكرسي وانا مش فاهم ايه اللي حصل ده كله؟.. ولا حتى عارف انا هرجع إزاي؟.. انا كان مالي ومال كل ده؟.. ازاي ما… قطع تفكيري المنظر اللي شوفته قدامي، على الترابيزة كان موجود الجرامافون، انا متأكد إنه ماكنش موجود قبل ما أروح القصر.. ده معناه إني لو شغلت الجرامافون ممكن أرجع زي ما شغلته ولقيت نفسي هنا، هشغله وأرجع.. صح كده.. قومت بسرعة وشغلته وبعدها ماحسيتش بنفسي.
لما فتحت عيني لقيت الدنيا ضلمة، كنت حاسس بوجع رهيب في دماغي، حسست بايدي جنبي، لقيت الموبايل بتاعي، مسكته وفتحت الكشاف، خدت نظرة سريعة في المكان، مالقتش حاجة اتغيرت، بس البورتريه، البورتريه ماكنش كده، قربت منه وساعتها شوفت الصورة كاملة، كشك صغير على شمال الصورة، وحواليه أرض بور، وفي نهايتها القصر وطالع منه دخان، في اللحظة دي سمعت صوت الباب بيزيق، لفيت وشي وانا موجه الكشاف ناحية الباب، وكان حسام هو اللي داخل…
– إبراهيم.. يا إبراهيم.
– انا هنا يا حسام، استنى انا خارجلك.
خرجت بره لقيت حسام بيقولي برعب…
– ايه ياعم سايبني ربع ساعة بحالها واقف لوحدي.
– ربع ايه؟!
– ربع ساعة.
– هو انا بقالي ربع ساعة جوة؟
– ايوة مش عارف بتعمل ايه وسايبني هنا.
لفت نظري وحسام بيتكلم إن في نور وراه، شاورت له بايدي عشان يسكت ومشيت ناحية النور ودققت النظر، كان نور من بعيد، ده نور أوضة في مبنى من دورين، كان في حد واقف في الشباك وبيشاورلي، لقتني تلقائيًا بشاورله.
فوقت بعدها على صوت حسام وهو بيقولي…
انت بتشاور لمين ياعم انت؟
– هاه.. لا مافيش.. انت شايف المبنى ده؟
– اه ماهو موجود من ساعة ما جينا، بس ده خرابة يابني.. في حد هيعيش في مكان زي ده.
– فيه يا حسام.. فيه.
استنينا يومها لحد ما النهار طلع وبعدها اتحركنا لحد ما طلعنا على الطريق السريع، ومن هناك خدنا عربية وصلتنا للمنطقة بتاعتنا، كنت محتار أرجع القصر وانفذ كلام قرين فريد وأحرر أجسادهم بدفنها ولا لا، بس في النهاية قررت أبلغ الشرطة وهي تتصرف، ولما روحنا هناك لقينا القصر كله متفحم، طلبت انزل معاهم القبو، وأول ما دخلت لقيته هو هو بالظبط، نفس اللي شوفته، وبعد السلم لقيت جثث عدلات وسميحة متعلقة في السلاسل هياكل عظمية، وفي الركن كانت جثث مراد وفريد هي كمان عبارة عن هيكل عظمي متقيد بالسلاسل، وجنبهم جثة عهد، ماحدش كان مصدق إني شوفت كل ده في حاجة شبيهة بالحلم، لكن لما كشفوا على الجثث عرفوا إنها ميتة من أكتر من 60 سنة، وأكيد انا ماليش علاقة بحاجة زي دي.. بس الحقيقة إن انا نفسي لحد النهاردة مش مصدق اللي حصلي ولا مصدق إني دخلت القصر ده.. الغريبة إني لما سألت عن قصة القصر عرفت إن صاحب القصر الزنانيري باشا، كان في أجازة فعلًا في الأستانة، ولما رجع لقى القصر والع وعياله التلاتة ميتين، ماقدرش يقعد فيه من بعدها وسابه مقفول، وبعد موت الباشا الورثة حاولوا يسكنوا القصر، لكن ماحدش كان بيكمل أكتر يومين وبيخرج منه، وده بعد ما بيشوف أو بيسمع حاجات غريبة، ومن يومها فضل القصر ملعون بلعنته لا بيتهد ولا بيتسكن ولا الجثث اللي فيه حد خرجها.
تمت.

منطقة معزوله

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى